السبت، 24 ديسمبر 2011

جريمة تعريض الغير للخطر


لقد تولد عن عديد التجارب والتطورات التي شهدها الإنسان تشكيل المجتمعات الحديثة التي نعيش فيها اليوم والتي تكاد أن تكون أرقى ما كان يصبو له الإنسان من اجل ضمان العيش في أحسن الظروف , وبفضل العلم عرفت البشرية تقدما في شتى المجالات وأصبحت الحياة أكثر سهولة , وهذا بفضل الضوابط أو مجموعة القيم التي توجد في كل مجتمع , غير انه ومن سنن الله عز وجل انه لا يمكننا الارتقاء إلى المثالية في تصرفاتنا , فكثيرا ما يتم خرق القيم والقواعد التي تسطرها الجماعة , ما يؤدي أحيانا إلى ارتكاب الشخص ما يسمى بالجريمة .
ومن المنظور الاجتماعي فالجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو في صالح الجماعة وما هو عدل بالنسبة لها , أو انتهاك عرف أو قواعد ومعايير تبنتها الجماعة , ولضبط هذه التصرفات والحد منها تم استحداث قوانين العقوبات والتي تعرف الجريمة بما يفيد معناه انه نشاط أو امتناع يجرمه القانون ويعاقب عليه .
إلا انه وبفعل التقدم العلمي والاقتصادي الحاصل وكذا تشعب العلاقات وكثرتها وظهور أشكال للجريمة من حين لأخر جعل المشرع في المجال الجنائي يسعى دائما لمواكبة مختلف الجرائم التي تهدد أركان المجتمع , وبفضل سعيه هذا أصبح المشرع يهدف إلى وضع نوع من الحماية المسبقة بغرض تجنب وقوع الجريمة وابتعادها عن ضحايا جدد , فمثلا تمنع التشريعات القيادة في حالة السكر أو تحت تأثيره وهذا بسبب وجود خطر .
والخطر لغة هو الإشراف على الهلاك, أما قانونا فهو الضرر المحتمل الذي يهدد المصلحة التي يحميها القانون في نص التجريم ( 1 )
 
                                                                                                                                                                                      
 
 (1) -الخطر الجنائي ومواجهته حسنين المحمدي نقلا عن د احمد فتحي سرور الوسيط قانون العقوبات
 
وكذلك هو احتمال حدوث الضرر أو هو مقدمة لحدوث الضرر فهو بهذا المعنى الخطوة السابقة مباشرة على الضرر ( 1 ) 
فمن خلال هذه التعريفات نجد أن الخطر هو الوضعية التي تسبق وقوع الضرر , أي أن هذا الأخير قد ينتج عادة عن الخطر أي أن هناك احتمال وقوع للضرر بفعل تواجد عنصر الخطر .
وفكرة الخطر ظهرت في الفقه الألماني كنتيجة للوضع الاجتماعي الذي شهدته ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظهور مجتمعات صناعية تحتوي على عامل الخطورة بصفة اكبر .

 ورغبة من المشرع الفرنسي مواكبة مختلف التطورات الحاصلة فانه و من خلال نص المادة 223 من قانون العقوبات الفرنسي فقد جرم الفعل الذي قد يجعل الغير في حالة خطر بغض النظر عن وقوع الضرر من عدمه .

ومن هذا المنطلق نجد أن المشرع قد اعتمد سياسة جديدة في التجريم بحيث انه قرر المعاقبة على الفعل أو السلوك الخطر ولو لم يتحقق عنه ضرر المعاقبة بهدف توفير الحماية للغير في محاولة للردع المسبق وبالتالي إرساء سياسة منعية رادعة لكل إهمال أو لا مبالاة تعرض الغير للخطر .
(1) الدكتور سمير الشناوي الشروع بالجريمة.

ولهذا سوف نتعرض لجريمة تعريض الغير للخطر في مبحثين :

المبحث الأول : أركان جريمة تعريض الغير للخطر.

المطلب الأول : الركن المادي لجريمة تعريض الغير للخطر.

المطلب الثاني :الركن المعنوي لجريمة تعريض الغير للخطر.

 
المبحث الثاني : جريمة ترك ألأطفال في مكان خال وجزاءها
 
المطلب الأول : جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس
 
المطلب الثاني : جزاء ترك الأبناء في مكان خال
 
 
 
 
 
   المبحث الأول : أركان جريمة تعريض الغير للخطر .

لجريمة تعريض الغير ركنان ركن مادي وأخر معنوي ونتطرف لهما لمطلبين:
 
المطلب الأول : الركن المادي لجريمة تعريض الغير للخطر.

لقد نصت المادة ( 223 /1 ) من قانون العقوبات الفرنسي بأن جريمة تعريض الغير للخطر هو الفعل الذي يعرض الغير مباشرة لخطر حال بالموت أو الجروح التي تؤدي إلى قطع عضو أو عاهة مستديمة بانتهاك إرادي واضح للالتزام خاص بأمن أو حيطة مفروض بواسطة القانون أو التنظيمات يعاقب بالحبس وبغرامة ( 100.000 فرنك ) فهي تبين بوضوح وجود الركن المادي لقيام جريمة تعريض الغير للخطر ونستنتج من نص هذه المادة للركن المادي ثلاثة عناصر يقوم عليها وهي : 

 1 – انتهاك الالتزام خاص بالأمن أو الحيطة , أي الالتزام المنتهك متعلق أولا بضمان الأمن وكذلك أن يكون الالتزام المنتهك خاصا وهذه الصفة مستحدثة ولا وجود لها في نصوص القانون الخاصة بجرائم الاعتداءات غير الإرادية على الحياة والسلامة الجسدية للشخص (1).
 
1 حاتم الشحات نفس المرجع السابق
ويكون الالتزام خاصا عند عندما يكون الالتزام محددا بدقة كنموذج للتصرف الواجب إتباعه وهذا طبقا لمعيار التحديد للنص بالإضافة إلى مقياس أخر يضفي الخصوصية على الالتزام , وهو معيار طبيعة الأنشطة الخاصة محل الالتزام , فمثلا تحديد سرعة السيارات على جميع السائقين يعتبر التزاما عاما .
أما جريمة تعريض الغير للخطر تفترض وجود تحديد خاص للسرعة , تبعا لأقدمية حصول السائق على الرخصة مثلا , في القانون الجزائري يفرض على السائق سرعة أقصاها 80 كم في الساعة طيلة مدة سنتين من حصوله على رخصة السواقة , أو بالنسبة لسائقي النقل العام والذي يشترط فيهم شرط السن 25 سنة على الأقل.
 
التزام مفروض بواسطة القانون أو اللائحة:
حسب المادة 223 /8 قانون عقوبات فرنسي تؤكد ضرورة أن يكون الالتزام منصوص عليه من القانون أو اللائحة , نستنتج من ذلك أنه  يستبعد القوانين الداخلية كالتنظيمات داخل المصانع والشركات 
- ويقصد بالقانون تلك القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان .
أما اللوائح فهي اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين .
2 – وجود الخطر: إن السياسة الجنائية التي اتبعها المشرع في القانون الفرنسي في جريمة تعريض الغير للخطر.
لا تنظر إلى تحقق الضرر أو النتيجة بقدر ما يهمها وجود حالة الخطر, فتعريض الغير للخطر لا يقتضي نتيجة ضارة.
- وهذا يعني وجود مشكلة في إثبات وجود الخطر .
فالخطر يوجد عندما تظهر ظروف الواقع أن انتهاك الجاني للالتزام بالأمن والحيطة من شأنه أن يسبب حادثا خطيرا يمكن أن تصل نتائجه إلى حد الموت للغير أو الاعتداء الخطير على سلامته الجسدية(1)
 1 حاتم الشحات تعريض الغير للخطر

وبالتالي فان جريمة تعريض الغير للخطر تقتضي وجود هذا الأخير بصفة جلية وواضحة وذلك تجنبا لتوسع هذه الجريمة وتطبيقها على حالات لا يكون فيها الخطر واضحا , ومثال ذلك تجاوز السائق للسيارة أمامه دون الانتباه لوجود سيارة قادمة , أما الخطر الواضح فهو المتمثل مثلا في السير على الطريق السريع بسرعة عالية في الاتجاه المعاكس , فهنا نجد أن الخطر واضح والظروف مهيأة لذلك 
- وينبغي الإشارة إلى مسألة وجود الغير أثناء حالة الخطر وأثرها في قيام جريمة تعريض الغير للخطر فهذه الأخيرة تقوم بمجرد إمكانية وجود الغير أو احتمال تعريضهم للخطر وبصفة عامة في هذا الشأن يبقى للقاضي سلطة تقديرية في ذلك .
 
3-العلاقة السببية بين انتهاك التزام خاص بالأمن والحيطة والخطر:

لقد استوجب المشرع الفرنسي صراحة علاقة سببية  مباشرة بين انتهاك الالتزام وبين الخطر , وتشدد المشرع في ضرورة وجود علاقة سببية مباشرة يعود  أن النتيجة الضارة لم تقع وهذا لغلق الباب أمام استعمال هذا النص تعسفا , فيجب أن تكون هناك علاقة قوية بين انتهاك الالتزام والخطر لدرجة أن عدم وقوع الضرر قد يعود لأسباب أو عناصر خارجية لا دخل للجاني بها .

وخلاصة القول في ما يتعلق بالعلاقة السببية انه في جريمة تعريض الغير للخطر فان
الضررلم يتحقق, فانه ينبغي أن يحدد المشرع من دائرة التجريم في حدود السبب المباشر .




 
 
 
المطلب الثاني : الركن المعنوي لجريمة تعريض الغير للخطر .


لقد أوجب المشرع لوجود جريمة تعريض الغير للخطر أن يكون انتهاك الالتزام المنشئ للخطر إراديا (1) وكذلك توافر العلم للجاني بالخطر .

1- انتهاك الالتزام المنشئ للخطر إراديا: فيجب على الفاعل أن يكون انتهاكه لإحدى القواعد التي يتضمنها النص القانوني صادرا عن إرادة صريحة (2) .
والإرادة هنا لا تتجه إلى قصد إلحاق الضرر وإنما تعنى الإرادة انتهاك الالتزام يتسبب في قيام خطر للغير بمعنى كأن يتغافل الشخص عن انتهاكه للقاعدة بالرغم من معرفته المسبقة أن هذا قد يشكل خطرا للغير وليس بالضرورة ضررا .
فصفة العمد هي متعلقة هنا بانتهاك الالتزام وكذلك الإقدام على الخطر .

2 – العلم بالخطر :
استوجب التشريع الفرنسي علم الجاني بالخطر كعنصر لقيام الركن المعنوي في جريمة تعريض الغير للخطر فبالإضافة إلى علمه بانتهاكه للقاعدة القانونية فينبغي ان يكون مدركا للخطر الذي قد تسبب فيه , أي ان الشخص يدرك انه مرتكب لجريمة تعريض الغير للخطر وحتى ولو لم يكن هناك ضررا بالغير او مصابا . 

وادراك الخطر لا يعني التعمد في تحقيق الخطر انما بالمخاطرة معتقدا انه لا يمكن ان يكون هناك حادث.
 
 
 
 

1 – حاتم الشحات تجريم تعريض الغير للخطر .
2 – احمد حسام طه تمام تعريض الغير للخطر في القانون الجنائي.
 
المبحث الثاني :جريمة ترك ألأطفال في مكان خال وجزاءها
                     من جرائم تعريض الغير للخطر المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري جريمة ترك الأبناء في مكان خال من الناس، وهي الجريمة التي تستلزم توافر أركان بيان الشروط  لكي يمكن متابعة و إدانة مرتكبيها وهو ما سنتطرق إليه في ما يلي من خلال إبراز صورة هذا الفعل المتمثلة في تعريض الطفل للخطر (م 314 ق.العقوبات الجزائري).
 نتطرق إليهما في مطلب أول نبين فيه جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس  وفي المطلب الثاني جزاء ترك الأبناء في مكان خال.

المطلب الأول: جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس
 
          نتطرق بالدراسة إلى أركان الجريمة المتمثلة في الركن المادي والركن المعنوي بالنسبة وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمواد 314 إلى 318 من قانون العقوبات، هذه الجريمة وثيقة الصلة بجريمتين أخريين، فلها ارتباط بحرمان القصر من العناية والغذاء المنصوص والمعاقبة عليها بنص المادة 269 من قانون العقوبات، كما تدخل أيضا ضمن الجرائم الموجهة ضد رعاية الطفل وتتوسط جريمتي عدم تسليم الطفل وتحويله (م327، 328ق.ع) لأن القانون يعاقب على تعريض الطفل أي التخلي عنه باعتباره عملا يتنافى وواجب الحضانة الواقع على عاتق الحاضن، كما أن القانون يحمي صحة الأطفال ويعاقب على تعريضها للخطر.
و نتناول في ما يلي إلى أركان هذه الجريمة وشروطها:
 
: الركن المادي
- يتمثل هذا الركن في نقل الطفل من مكان آمن والذهاب به إلى مكان أخر خال تماما من الناس أو غير خال ثم تركه هناك وتعريضه للخطر، وهو عنصر يتم تكوينه بمجرد الانتهاء من عملية النقل والترك دون حاجة إلى إثبات أي تصرف أخر ودون حاجة إلى البحث عن الحالة، التي كان عليها الضحية ولا عن الوسيلة التي تم نقله بواسطتها لذلك فإن الجريمة تقوم في حق من ترك طفلا أمام باب ملجأ أو مسجد أو جمعية خيرية ولو كان ذلك على مرأى من الناس
وقد قضي في فرنسا بقيام هذه الجريمة في حق أم تركت ولدها عند أحد الأشخاص على أن تعود إليه فاختفت ولم تعد إليه، وهناك من يصف هذه الجريمة باعتبارها تهربا من الالتزامات والوجبات القانونية نحو الطفل والمترتبة عن الحضانة
- إن هذه الجريمة نص عليها القانون الفرنسي في المواد من 349 إلى 365 من قانون العقوبات والمتمثلة في التخلي أو ترك أو تشريد الطفل أو غير القادر الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته الجسدية أو الذهنية في نظام قانون العقوبات الفرنسي القديم. كما يجب من أجل تشكيل الجريمة اجتماع ظرفين هما:
الطرح والتخلي وقد اتفق الفقه والاجتهاد على ذلك، لكن أكثرية التشريعات الأجنبية الأخرى كانت تجرم احد الفعلين فكانت تعاقب على الطرح ولو لم يتبعه تخلي، وعلى التخلي ولو لم يسبقه طرح، من هاتين الطريقتين المختلفتين في فهم التجريم لقد اعتمد القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 19 أفريل 1898م الطريقة الثانية وأن المواد 349 إلى 352 من قانون العقوبات تعاقب على الطرح والتخلي معا، لذا فإنه يهمنا أكثر أن نعرف في هذا الصدد ما يقصده القانون بهذين التعبيرين
 إن التخلي بموجب التفسير الذي هيمن قبل صدور قانون 19 أفريل 1892م ترك الطفل دون أن يحضنه أحد ودون أن يتأكد لان أحدهم قد حضنه أو اعتنى به.

 إن عرض الطفل وهو وضعه في مكان غير المكان الذي يوجد الأشخاص الملزمين بالاعتناء به، فالقانون الفرنسي الذي يعتبر المصدر التاريخي لقانون العقوبات الجزائري يعاقب على الحرمان من كل إرشاد ومن كل رقابة للطفل والقيام بالحرمان من الرقابة ومن الانتباه ومن عناية الأشخاص الذين يكونون على مسؤولياتهم قانونا، نستنتج من ذلك أن القيام بإعطاء طفل لشخص ما أو لجار أو الذهاب بغية عدم الرجوع يشكل العنصر المادي لجريمة التخلي عن الطفل
 إن نظام قانون 1892م يكرس في الواقع التزامين يفرضان على الوالدين وهما واجب الحراسة والمراقبة في ما يخص الأطفال، وواجب عدم التخلي عنهم
 المادة 369 من قانون العقوبات الفرنسي تعاقب بالحبس من يعرض أو قد يعمل على تعريض أو يقوم بالتخلي، أو يعمل على التخلي في مكان منعزل عن طفل أو رضيع لا يمكن أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته الجسدية أو الذهنية، ومن ثم فإن العناصر المادية للجريمة أربعة وهي:
 1-القيام بالتعريض أو التخلي: ففي حين أنه في نظام قانون العقوبات الفرنسي كان اجتماع الظرفين بذاته ضروريا إلا أن المادة 369 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد تعاقب التعريض بذاته والتخلي حتى ولو لم يسبقه تعريض للخطر.
 2-العنصر الثاني وهو التعريض والتخلي: الترك أو التعريض للخطر الذي يحصل في مكان منعزل أو غير منعزل خال أم غير ذلك ويلاحظ أن قانون العقوبات الجزائري لم يحصر ضحية هذه الجريمة في الطفل فقط بل وسعها إلى كل عاجز بسبب حالته البدنية كبر السن أو عاهة أو بسبب حالته العقلية معتوه أو مجنون
 العنصر الثالث هو عدم قدرة الضحية على حماية نفسها بنفسها وفي هذا الصدد يوجد تجديدان في قانون 1898م، من جهة لقد كان القانون الفرنسي القديم يهتم فقط بالتخلي عن الطفل في حين أن النص الجديد يتطرق للرضيع والمعتوه والمعاق، وعدم القدرة على حماية النفس بسبب صغر السن أو بسبب عيب أو عاهة في جسمه كأن يكون معطل استعمال اليدين أو الرجلين أو العينين وإما بسبب خلل في عقله كأن يكون مجنونا لا يميز بين ما يضره وما ينفعه ولا يستطيع إنقاذ نفسه من أي خطر قد يتعرض له
كماأن ترك الطفل في مكان خال يعد شرطا من شروط تكوين جريمة ترك الأبناء( 1) في مكان خال وتعريضهم للخطر، والمكان الخال هو المكان الذي لا يوجد فيه الناس ولا يطرقونه عادة، ولا يتوقع أن يؤمه بنو الإنسان إلا نادرا، وهي الحالة التي يحتمل معها حالة الولد دون أن يعثر عليه من يسعفه أو ينجيه، أو يقدم له يد المساعدة من الخطر الذي يمكن أن يداهمه أو الضرر الجسيم الذي يمكن أن يتعرض له
إلا أن المادة 314 من قانون العقوبات لم تعتبر مكان ترك الطفل سواء في مكان خال أم لا شرطا أو ركنا من أركان الجريمة(2)، بل هي مجرد ظروف مكانية تأثر في العقوبة بالتشديد أو بالتخفيف ولا أثر لها على قيام الجريمة.
وهذا ما تؤكده المادة 316 من قانون العقوبات التي تعاقب على ترك الطفل وتعريضه للخطر في مكان غير خال من الناس ولكن بعقوبات أخف من تلك المقررة في المادة 314 من قانون العقوبات التي تعاقب على ترك الأطفال وتعريضهم للخطر في مكان خال من الناس.
وفي هذا الصدد يجدر بنا الإشارة إلى قرار صدر عن المحكمة العليا الغرفة الجزائية الأولى تحت رقم 10021 بتاريخ 26/03/2000 (3)الذي جاء فيه ما يلي:" تشترط الجريمة المنصوص عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات لتطبيقها ترك الطفل في مكان غير خال من الناس قصد التخلص منه بصفة نهائية لذلك لا تحقق الجريمة بالنسبة للجدة التي سلمت حفيدها الصغير إلى أبيها بطلب من أمها التي أصبحت غير قادرة على الاعتناء بها.
(1)الأستاذ عبد العزيز سعد قانون العقوبات
(2) الأستاذ أحسن بوسقيعة شرح قانو ن العقوبات الجزائري
(3)قرار المحكمة العليا


الركن المعنوي:

 تتطلب هذه الجريمة توافر القصد الجنائي، إلا أن ما يتحكم في العقوبة هو النتيجة غير أن الأستاذ عبد العزيز سعد يرى أن مجرد توفر الركن المادي وشروط الجريمة يعفي من البحث عن نية الفاعل وقصده، إذ يرى أن القانون لم يجعل من النية أو القصد الجرمي ركنا متميزا إلى جانب الأركان الأخرى وذلك ما دام لم ينتج عن هذا الفعل أية مضاعفات إلا أن هذه الجريمة تتطلب على الجاني بجميع أركانها ما يتطلبها القانون و اتجاه إرادته الحرة إلى تعريض الطفل للخطر والتخلي عنه وأن تكون هذه الإرادة لم يمسها عيب كالإكراه المادي أو المعنوي الذي قد يعيب الإرادة أحيانا وقد يعدمها أحيانا أخرى.
 ويرى الفقيه روني غاور(1) إن العنصر المعنوي للجريمة يكمن في نية عدم القيام بالعناية التي تفترضها حراسة الطفل أو الرضيع وأن أفعال التعريض بالخطر والتخلي إذا ما ارتكبت بنية جعل الطفل يختفي نكون بصدد اختفاء الطفل، أما إذا حصل ذلك بنية قتله وذلك عبر حرمانه من العناية سيشكل الفعل عندئذ قتلا عمديا أو محاولة قتل أو أخيرا إذا ارتكب الفعل بنية غير محددة أي بنية إيذائه سيقع الفعل تحت وقع الأحكام المضافة لنص المادة 312 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر بتاريخ 19 أفريل 1998
 
 
 
(1) نقلا عن الأستاذ أحمد بوسقيعة نفس المرجع السابق
 

المطلب الثاني: جزاء ترك الأبناء في مكان خال

يرى الأستاذ الفقيه رونيه غارو أن خطورة الجريمة تتوقف على الخطر الذي يمكن للظروف أن تلحق بالطفل أو بعديم القدرة على حماية نفسه بنفسه وأن قانون العقوبات يقدر درجة هذا الخطر بالرجوع إلى مكان التخلي والتعريض للخطر ويعاقب بعقوبات تختلف حسبما يكون الفعل قد حصل في مكان منعزل أم لا، وأن هذا التفريق الذي يهيمن على أحكامه مستخلص من أهمية الظروف التي تتعلق بها نتيجة الجرم، لكن وقت التخلي وسن الضحية وحالة عديم الأهلية هي عناصر تشدد وتخفف الخطر ويكون القاضي أن يأخذ بها في تقديره للذنب الفردي لكن لا يجب أن نلوم المشرع الفرنسي بتجرده منها لان نظام التشخيص القضائي فيما يخص العقوبة يفضل عن نظام التشخيص القانوني
و ما يمكن ملاحظته أن العقوبة تختلف حسب الظروف المكانية لارتكاب الجريمة وما ترتب عنها من نتائج وصلة الجاني بالمجني عليه.
  
حيث أنه إذا كانت المادتان 314 و316 من قانون العقوبات قد تضمنتا كل العناصر المكونة للجريمة وتضمنتا كل أنواع تلك الحالات التي يمكن أن تنتج عن فعل ترك الولد وتعريضه للخطر في مكان خال أو غير خال من الناس وتضمنتا كل أنواع العقوبات الأساسية المقررة قانونا لكل نتيجة من نتائج فعل الترك والتعريض للخطر، فإن المادتين 315 و317 قد نصتا على عقوبات مشددة كلما كان الفاعل أو المتهم أو ومرتكب الجريمة من أصول الولد المتروك للخطر وحسبما إذا كان مكان الترك أو التعريض للخطر مكانا خاليا من الناس أو غير خال منهم.
 
ترك الطفل في مكان خال: تتحكم في تحديد المكان الخالي عدة عوامل ويعتبر العامل الجغرافي أهمها إذ أن ترك طفل في غابة معزولة وموحشة ليس كتركه أمام باب مسجد أو ملجأ أو في مدينة أو قرية عامرة بالسكان، أما العامل الثاني فهي ظروف وضع الطفل وتتمثل هذه الظروف خاصة في وقت ترك الطفل والتخلي عنه، فتركه ليلا ليس كتركه نهارا ووضع الطفل في مكان آمن ولو كان معزولا أو خاليا ليس كوضعه في مكان عامر بالسكان والحركة ولكنه شديد الخطورة، كوضع الطفل أمام الطريق السريع، أو الأماكن التي تكثر فيها القلاقل والنزاعات والحروب، أما العامل الثالث فهو حظوظ إنقاذ الطفل، فكلما كانت حظوظ إنقاذ الطفل ضئيلة كلما تجلت للقاضي النية العمدية للفاعل في التخلص من الطفل وتعريضه للخطر، وتعاقب المادة 314 في فقرتها الأولى على ترك الطفل في مكان خال بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وتشدد هذه العقوبة بتوافر ظرفين هما نتيجة الفعل المجرم وصفة الفاعل:
نتيجة الفعل: حيث تؤثر نتيجة الفعل على العقوبة على النحو التالي:

 1إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20يوما تكون الجريمة جنحة عقوبتها الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، ويلاحظ أن المشرع أخذ في جريمة ترك طفل في مكان خال أو غير خال بمدة 20يوما عجز كمعيار للتمييز بين درجات خطورة الجريمة خلافا لما أخذ به في جرائم العنف حيث أخذ فيها بمدة 15 يوما
 
ويرى الفقيه غارو أن نتيجة الفعل كظرف مشدد يؤدي إلى مسؤولية الفاعل الذي يجب أن يتوقع بتخليه عن الطفل نتائج فعله، ففي القانون الفرنسي إذا نتج عن التخلي مرض أو عاهة يدومان أكثر من عشرين يوما يطبق الحد الأقصى للعقوبة، هذا النص جديد لأن المادة القديمة لم تكن تضع تشديدا فيما يخص الجروح الخطيرة التي تجعل الطفل مبتورا دون أن تهتم بالأمراض أو حتى بالعاهات الدائمة الأخرى التي يمكن أن تنتج عن التخلي
 إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون الجريمة جناية عقوبتها السجن من 05 سنوات إلى 10 سنوات، أما في القانون الفرنسي فإذا بقي الطفل مبتورا أو إذا بقي ذا عاهة فيخضع المذنبون لعقوبة الأشغال الشاقة إذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت فتكون جناية عقوبتها السجن من 10 إلى 20سنة أما في القانون الفرنسي فعندما يسبب التخلي والتعريض للخطر الوفاة، يعتبر الفعل تماما كالقتل العمد.
          
2 - صفة الجاني : تشدد العقوبات ضد الأصول أو من لهم سلطة على الطفل أو من يتولون رعايته وذلك برفع العقوبات المقررة قانون درجة واحدة، فتكون العقوبات كما يلي
 الحبس من سنتين إلى خمس سنوات في حالة ما إذا لم ينشأ عن ترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز..
 الحبس من 05 إلى 10 سنوات في حالة ما إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20 يوما.
 السجن من 10 إلى 20 سنة في حالة ما إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة.
 السجن المؤبد إذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت
- ويرى الفقيه غارو أنه يجب أن تتضمن فئة الأشخاص الذين تشكل صفتهم ظرفا تشديديا كل الأشخاص الذين لهم واقعيا أو قانونيا مسؤولية الطفل فيجب أن تشمل الساكنين مع الطفل لأنهم مسؤولون عن الطفل الذي يربونه والسلطة تعود قانونيا للوالدين الشرعيين وبالتالي فإن الأمر لا يختلف فيما يخص التجريم والعقوبة سواء أكان الفاعل أو المحرض غريبا عن الطفل أم لا من وجهة نظر روابط الدم، أي سواء كان الفاعلون هم الوالدان الحقيقيان للطفل أم مجرد أشخاص ملزمين قانونيا أو اتفاقا بحراسته أو العناية به، ففي الحالتين يطبق ظرف التشديد دون أي تمييز، لكن صفة الحارس التي تشدد الذنب يجب أن تكون موجودة قبل اقتراف التخلي،         
-           فالشخص الذي يقبل بمهمة التخلي عن الطفل بناء على أمر والديه حسب الفقيه غارو يجب أن لا يقع تحت وقع التشديد في العقوبة إلا إذا قام بالتخلي بعد أن حصل على حراسته دون علمها أما إذا قام الوالدان بمساعدة الفاعل فتطبق عليهما وحدهما العقوبات الأشد الموضوعة في المادتين 350 و 353 من قانون العقوبات الفرنسي ولا يعاقب المتدخل إلا بالعقوبة التي كانت ستنزل به لو كان هو فاعل الجرم أي بالعقوبة التي نص عليها القانون فيما يخص الجريمة المرتكبة من طرف الفاعل الأصلي.

المراجع :
 
الدكتور أحمد حسام طه تمام تعريض الغير للخطر في القانون الجنائي.
 
الدكتور حسنين المحمدي الخطر الجنائي ومواجهته.
 
الدكتور حاتم الشحات تجريم تعريض الغير للخطر
 
الأستاذ أحسن بوسقيعة قانون العقوبات الجزائري.
 
مقالات للفقيه غارو.
 
قانون العقوبات الجزائري
 
قانون العقوبات الفرنسي
:             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق