السبت، 24 ديسمبر 2011

الحماية الجزائية للعلامة التجارية


               تعد العلامة التجارية إحدى الوسائل الهامة المعتمد عليها في إطار التنافس التجاري ,ذلك أن التاجر أو المنتج يميز بضائعه أو منتجاته عن الغير عن طريق العلامة التجارية ما يستوجب توفير الحماية لهذه  الأخيرة خصوصا وأن العلامة التجارية أصبحت تشكل ثروة هامة من الناحية التجارية ويظهر ذلك جليا في بعض العلامات التجارية المشهورة على الصعيد العالمي لذا فقد وضعت معظم الدول قوانين خاصة تحمي العلامات التجارية وهذه الحماية لا تقتصر على إلزام  المعتدي على العلامة التجارية المسجلة بدفع تعويضات مادية ’حيث أن هذه الحماية المدنية لوحدها لا تكفي لمنع الاعتداء بل توسع المشرع في الحماية القانونية ليضيف عنصر العقاب على المعتدي.
أهمية البحث:
       نركز في بحثنا هذا على الحماية الجزائية للعلامة التجارية من خلال  بيان الجرائم المنصوص  عليها قانونا والعقوبات المقررة لها قانونا ثم نبين مدى كفاية الحماية الجزائية للعلامة التجارية  في ضمان عدم التعدي عليها بالإشارة إلى قانون العلامات التجارية ومدى قدرته على مسايرة مختلف أشكال التعدي على العلامات التجارية.

مشكلة البحث:
            يتناول بحثنا هذا مجموعة من الإشكاليات التي تثار حول الحماية الجزائية للعلامة التجارية ,فنتساءل  حول صور التعدي على العلامة التجارية المستوجبة لتوقيع عقوبات جزائية ونطاق العقوبات المقررة لها ؟ ثم ما مدى كفاية هذه الحماية؟ وما هي الحلول التي أوجدت لضمان الحماية الجزائية للعلامات التجارية؟
نجيب عن هذه التساؤلات من خلال منهج بحث متوازن بغرض الوصول إلى النتيجة المرجوة من هذا البحث.
   خطة البحث:      
                   لدراسة هذا الموضوع ينبغي الإشارة إلى مفهوم العلامة التجارية (مبحث تمهيدي) , ثم إلى نطاق الحماية الجزائية للعلامة التجارية (مبحث أول) نبين فيه صور التعدي على العلامة التجارية (مطلب أول) ثم نطاق العقوبات المقررة للحماية الجزائية و نشير  في المبحث الثاني إلى مدى كفاية الحماية الجزائية للعلامة التجارية من خلال قدرة قانون العلامات التجارية على مواكبة مختلف صور التعدي على العلامة التجاريةٌ(مطلب أول) تم عدم ملائمة شروط الحماية الجزائية للعلامة التجارية بموجب قانون العلامات (مطلب ثاني) .

مبحث تمهيدي : مفهوم العلامة التجارية.
  
               عرف المشرع الأردني العلامة التجارية بأنها إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتمييز بضائعه أو منتجاته أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره[1]
أما المشرع المصري فقد عرف العلامة التجارية بأنها الأسماء المتخذة شكلا مميزا والإمضاءات والكلمات والحروف والأرقام والرسوم والرموز وعلامات المحال والدمغات والأختام والتصاوير والنقوش
البارزة وأية علامة أخرى أو أي مجموع منها إذا كانت تستخدم في تمييز منتجات عمل صناعي أو استغلال للغابات أو لمستخرجات الأرض أو أية بضاعة أو للدلالة على مصدر المنتجات أو البضائع أو نوعها أو مرتبتها  أو طرقة تحضيرها أو للدلالة على تأدية خدمة من الخدمات[2].
سار المشرع  الجزائري على نهج المشرع الفرنسي في تعريفه للعلامات بنصه
في المادة الثانية من الأمر 03/06 العلامات كل الرموز القابلة للتمثيل الخطي لا سيما الكلمات بما فيها أسماء الأشخاص والأحرف والأرقام والرسومات أو الصور والأشكال المميزة للسلع أو توضيبها والألوان بمفردها أو مركبة التي   تستعمل كلها لتمييز سلع أو خدمات شخص طبيعي أو معنوي عن
سلع وخدمات غيره.[3] و نصت المادة 15 – 1من اتفاقية التريبس على أنه تعتبر أي علامة أو مجموعة علامات التي تسمح بتمييز السلع والخدمات التي تنتجها منشاة عن التي تنتجها منشآت أخرى، ويدخل في عداد العلامة التجارية الأسماء والحروف والأرقام والأشكال ومجموعات الألوان وأي مزيج منها يصلح للتسجيل كعلامة تجارية، والأمثلة الواردة هنا هي على سبيل المثال وليس الحصر.
.هذا هو إذا التعريف الذي تم النص عليه في اتفاقية التريبس وبعض القوانين الأخرى.
و يمكن تعريف العلامة التجارية بأنها : كل أسماء أو كلمات أو حروف أو أرقام أو رموز أو رسوم أو مزيج مما سبق وأية إشارة أخرى صالحة لتمييز منتجات صناعية أو تجارية أو حرفية أو خدمات أو
مشروع استغلال ثروة طبيعية لدلالة على أن الشيء المراد وضع العلامة عليه يعود لصاحب العلامة بداعي صنعه أو اختراعه أو لدلالة على تأدية خدمة من الخدمات,
أو كذلك بأنه كل رمز أو سمة أو شارة مميزة يستعملها المنتج أو التاجر أو مقدم الخدمة لتمييز منتجاته أو بضائعه أو خدماته عن مثيلاتها التي ينتجها أو يتاجر بها  أو يقدمها الأخرون.
وتكمن أهمية العلامة التجارية في أنها توفر لصاحبها حق الاستئثار بها واستعمالها على منتجاته دلالة على أنها تخصه كما أنها تعزز روح المبادرة في العالم من خلال سعي المنتجين إلى تحسين
وتطوير منتجاتهم لاكتساب ثقة المستهلكين فكلما زادت جودت البضاعة الموضوعة عليها العلامة التجارية زادت شهرة الشركة وزادت مبيعاتها وتزداد قيمة العلامة التجارية. 
كما أنها تجذب الانتباه إلى السلع  وبناء ولاء للسلعة وتسهل متابعة الطلبات والتعرف على المشاكل من طرف الشركة المنتجة.
تسهل العلامة التجارية على المستهلك عملية التسوق وتساعده على تحديد مصدر المنتج وعدم الخلط بين السلع, ومن هنا تبرز أهمية الحماية الجزائية للعلامة التجارية  فعملية الحماية لموضوع معين تتمثل في المصلحة التي يهدف المشرع إلى حمايتها جزائيا من كل اعتداء ينالها بالضرر أو يهددها بالخطر , وهذه الحماية سواء أكانت لمصالح عامة أم لمصالح خاصة هي حماية للمصلحة العامة للمجتمع لأنها أساسية وجوهرية لتقدم المجتمع وتطوره وكماله.[4]

المبحث الأول:
 نطاق الحماية الجـزائيــة للعلامـة التجـارية.
                                                                                                                قبل الإشارة إلى صور التعدي على الحماية الجزائية على العلامة التجارية لابد من تعريف الحماية الجزائية هذه الأخيرة تعرف بأنها الحماية التي تتخذ من قواعد القانون الجنائي الموضوعية موضوعا لها عن طريق تجريم الفعل الذي يشكل عدوانا على تلك المصلحة أو إباحة الفعل الذي يسهم في حمايتها رغم أنه يشكل في الأصل جريمة أو إعفاء مرتكبه من العقاب[5]
أما بالنسبة للحماية الجزائية المقررة للعلامة التجارية, فإنها تندرج ضمن صورة التجريم والعقاب إذ تكفلت بذلك مختلف قوانين العلامات المقارنة.
ويكون بالنص على تجريم الأفعال التي تمس بالعلامة التجارية كالتزوير أو التقليد أو استعمال علامات تجارية مقلدة أو مزورة أو وضع علامة تجارية مملوكة للغير مثلا. 
إن قانون العلامات التجارية الأردني لايحمي العلامات التجارية من الناحية الجزائية إلا إذا كانت مسجلة وفقا لهذا القانون وعليه فلا حماية جزائية لعلامة تجارية غير مسجلة في الأردن.
إلا أنه وفي حالة تسجيل هذه العلامة في دولة أخرى تكون موقعة على اتفاق دولي رفقة الأردن يتعلق بحماية العلامات التجارية فإن هذا يكفل الحماية الجزائية للعلامة التجارية الغير مسجلة في الأردن.
تجدر الإشارة إلى المادة (41/1) من قانـــون العلامـــات التجـــارية الأردني و التي نصت على أنه إذا اشتركت حكومة المملكة الأردنية الهاشمية , في أي وقت من الأوقات في اتفاق دولي لحماية العلامات
التجارية المتبادلة ,فعندها يحق لأي شخص يكون قد طلب حماية علامته التجارية في أية بلاد أخرى داخلة في الاتفاق أن يسجل علامته بمقتضى هذا القانون وتكون له الأولوية على غيره من المستدعين وتكون تاريخ التسجيل ذات تاريخ التسجيل في تلك البلاد على أن يقدم الطلب خلال ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب لحماية العلامة التجارية المبحوث عنها في بلاد الدولة الأجنبية.........))
تبقى الحماية الجزائية للعلامة التجارية مقتصرة على مدة الحماية المقررة لها وهي عادة عشرة سنوات من يوم تسجيلها الموافق لتاريخ تقديم طلب التسجيل طبقا لنص المادة (20/1) من قانون العلامات الأردني.
يمكن لمالك العلامة التجارية المسجلة تجديد الحماية بعد انتهاء مدة التسجيل السابق وهذا حسب المادة (21/1) من قانون العلامات الأردني.

          المطلب الأول :صور التعدي على العلامات التجارية

تتعدد صور التعدي على العلامة التجارية ويمكننا أن نحصرها فيما يلي :

أ_ تعتبر جريمة تقليد العلامة التجارية أولى صور التعدي ونعني بالتقليد أن المقلد في بحثه عن طريقة لتمييز منتجاته الماثلة يختار علامة مشابهة لعلامة مشهورة أو تحاكيها من حيث الشكل وعادة ما تكون هذه العلامة مسجلة ولها حماية قانونية، بحيث أن هذه العلامة بإمكانها إحداث التباس لدن الجمهور أو المستهلكين، وهذا يعتبر مساس بالحق ألاستئثاري لمالك العلامة،ويجب أن نذكر أن التزييف يختلف عن المحاكاة بحيث أن الأول هو المساس بالحق ألاستئثاري لصاحب العلامة في حين أن الثاني يؤدي إلى الحيلولة دون قيام العلامة بدورها المـــــميز أما الطرق التي يتم بها التقليــــــد فيتم عــــــادة بالاعتماد على احدى الطرق التالية:

تقليد عن طريق الاسم بأن يختار المقلد كالاسم الموضوع في العلامة التجارية مع تغير بعض الحروف أو إضافة حرف لا يغير نطق الكلمة أو تغير ترتيب بعض الحروف مما يقوي مخاطر الالتباس وكمثال على ذلك نذكر العلامة التجارية:  والعلامات المقلدة لها
Abidas adibas
تقليد من الناحية البصرية يقوم المقلد بتقديم علامة معتمد على نفس التركيب والبناء من ناحية الأشكال والألوان والرموز الداخلة في تركيب العلامة التجارية الأصلية. 
قيام المقلد بالمحاكاة الذهنية  بحيث يتوجه التقليد إلى ذهن المستهلك من أجل خلق تقارب ذهني بين العلامة الأصلية والعلامة المقلدة ويعتمد في ذلك على المرادفات أو المتناقضات للكلمات التي تدخل ضمن تركيب العلامة.
يعتبر إذا التقليد أول صور الاعتداء على العلامة التجارية أما ثاني تلك الصور فهو تزوير العلامة التجارية.

ب_تزوير العلامات التجارية:
يقصد بتزوير العلامة التجارية اصطناع علامة مطابقة للعلامة الأصليـة و هو كفـعـل مـادي ينصب على عمليـة صنـع أو طبـع العلامــة التجارية فقط , لذا فإن الجريمة تتم بمجرد فعل التزوير,أي بمجرد
ارتكابه وعليه فإن مجرد صنع الختم الذي يستخدم لوضع العلامة على المنتجات أو البضائع أو
صناعة الشريط المتضمن للعلامة (نموذج العلامة) أو الزجاجات أو الشارات ذات الشكل الذي تعبر عنه العلامة أو طباعة الأغلفة التي تحمل العلامة يكفي لقيامة جريمة تزوير العلامة التجارية[6].
بالإضافة لهذا يكفي لقيام جريمة التزوير مجرد صنع العلامة التجارية المزورة ولو لم يقترن الأمر باستعمالها في التجارة إذ لا يعد ذلك شروعا في ارتكاب الجريمة وإنما يعد مكونا للجريمة ذاتها[7]
كما قضت محكمة النقض المصرية بأن جريمة تزوير العلامة بغض النظر عن الاستعمال الذي يأتي لاحقا لها وهو بطبيعته جريمة مستمرة.[8] 
ويتطلب لقيام جريمة تزوير العلامة التجارية طبقا لمجمل قوانين العلامات أربعة أركان وتتمثل في :
أولا :محل الجريمة:
يجب أن يكون محل الجريمة علامة تجارية مسجلة كما سبق الذكر طبقا لما هو منصوص عليه في القوانين.
كما أن وقوع التزوير قبل التسجيل أو بعد انقضائه ,سواء لعدم التجديد أو لشطب التسجيل لأي سبب كان ينفي وقوع جريمة التزوير.
ثانيا: الركن المادي:
العبرة بالفعل المادي أي صنع العلامة فالعقوبة تفرض على كل من قام بصنع العلامة المزورة بتكليف من المنتج أو التاجر يعد مرتكبا للجريمة مع مراعاة أن يكون تنفيذ الفعل المادي قد تم فعلا.[9]
ونكون هنا أمام تعميم للمسؤولية وهو رأي صائب فمن شأن التعميم الردع بصورة أكبر و الحد من انتشار هذه الجريمة.
ثالثا: تضليل الجمهور :
يكون التضليل بما يخلفه التزوير من خطر عدم التمييز من طرف المستهلك  بين المنتجات التي تحمل العلامة الأصلية وتلك التي تحمل العلامة المزورة.
وعليه لا تتحقق جريمة تزوير العلامة إذا كان الهدف من تزوير العلامة استعمالها لتمييز المنتجات تختلف عن منتجات مالك العلامة التجارية لأن الاعتداء على الحق في ملكية العلامة لا يكون إلا في نطاق المنتجات المتماثلة  أو المتشابهة , فإذا اختلف الإنتاج انتفت الجريمة.[10]
رابعا: القصد الجنائي :
تزويـــر الـعلامـــة التجــارية جريمة عــمديه يلـــزم لقيـــامهـــا توافــــر الــقصد الــتتجــنائي العــام أي عنصـــري العــلم والإرادة .
وبالنسبة للمشرع الأردني فلم  يكتفي بالقصد العام بل اشترط توافر القصد الخاص أيضا وهو م عبر عنه بقصد الغش [11]وذلك إستنادا لنص المادة 38 من قانون العلامات الأردني81 والمراد من ذلك أن يكون لدى مرتكب الجريمة نية الغش والإضرار.
ج_جريمة استعمال وبيع علامة مزورة أو مقلدة :
تتفق هذه الجرائم مع جرائم الاعتداء على العلامة التجارية السابقة الذكر من تقليد وتزوير في أنها تعد اعتداء على حق مالك العلامة الذي يستعملها على وجه الاستئثار لتمييز منتجاته أو بضائعه ,إلا أنها تختلف عنها في أن الاعتداء لا يوجه مباشرة على ذاتية العلامة ,وإنما ينصب على استعمال   
هذه العلامة المزورة أو المقلدة.
تقوم جريمة الاستعمال على ثلاثة أركان:
أولا : الركن المادي:
ويعنى به وضع العلامة المزورة أو المقلدة على المنتجات أو البضائع لذا يعد مرتكبا لهذه الجريمة من اشترى علامات مزورة أو مقلدة ووضعها على منتجاته وبضائعه.
ولا يدخل في هذا الإطار استعمال العلامات التجارية المزورة أو المقلدة لغرض شخصي لأن الاستعمال المعاقب عليه هو الاستعمال لغرض تجاري.
ثانيا : أن يكون محل الاستعمال علامة مزورة أومقلدة.
ثالثا :القصد الجنائي
بالإضافة إلى ضرورة توافر القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة
لابد من توافر القصد الجنائي الخاص أيضا والمتمثل في سوء النية بمعنى أن يكون الغرض من استعمال العلامة أن يختلط الأمر على المستهلك حول مصدر المنتجات.
كما أن بيع المنتجات التي تحمل علامة مزورة أو مقلدة و عرضها للبيع و التداول أو حتى حيازتها بقصد البيع تعد جريمة مستقلة بحد ذاتها سواء كان البائع  أم العارض أم الحائز للمنتجات ذات الشخص الذي قام بتزوير العلامة أو تقليدها أو كان شخصا أخر.
وقد جاء في الفقرة الرابعة من المادة 35 قانون العلامات العراقي : ((كل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو حاز بقصد البيع بسوء نية منتجات  عليها علامة مزورة أو مقلدة أو موضوعه بغير حق
مع علمه بذلك)). ولقيام هذه الجريمة لابد من تحقق :
1- الركن المادي والمتمثل في وقوع أحد الأفعال التالية :البيع, العرض للبيع أو للتداول , الحيازة بقصد البيع.
2-أن يكون محل الفعل منتجات تحمل علامات مزورة أو مقلدة وأن تكون المنتجات من النوع أو الصنف ذاته.
3- توافر القصد الجنائي الخاص الذي سبق الإشارة إليه.

نشير إلى أن هناك أيضا جريمة أخرى يمكن أن تقع على العلامة التجارية وتتمثل في الاعتداء على الملكية المادية للعلامة التجارية وتشمل جريمتين الأولى تتمثل في استعمال علامة مملوكة للغير ,والثانية جريمة بيع منتجات تحمل علامة مملوكة للغير.
يتم ذلك بوضعها أو استعمالها على منتجات مماثلة بدون حق أو سبب مشروع وتقوم هذه الجريمة عل ركن مادي ومحل الجريمة متمثل في علامة مملوكة للغير وكذلك القصد الجنائي الذي سبق الإشارة إليه.

المطلب الثاني : نطاق العقوبات المقررة لحماية العلامة التجارية.

نص المشرع الجزائري في قانون العلامات على عقوبات جزائية ضد كل من يعتدي على العلامات التجارية فيجوز لصاحب العلامة رفع دعوى جنائية أمام المحكمة إذا كانت الجنحة من الجنح المنصوص عليها في التشريع الخاص بالعلامات[12],و في هذه الحالة تطبق على مرتكب الفعل عقوبة
الغرامة والسجن أو إحدى هاتين العقوبتين غير أنه لا يجوز الجمع بين العقوبات المقررة بموجب الأمر رقم 66_57 وفي مادته 31 تحديدا,بينما يجوز في حالة العود مضاعفة العقوبات المحددة قانونا.[13]
يمكـــن أيضا أن يحــرم مؤقـــتـــا من حــق الانتــخـــاب المتعـــلق بــحــرفـــتــه كل من ارتـــكــب إحـــدى اـلجنــح السابــقــة الذكر[14].
يعاقب في جنحة تقليد بغرامة من 1000دج  إلى 2000دج وبالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قلد علامة مودعة  ولا شك أن هذه العقوبات تبقى خفيفة
جدا[15] بالنظر إلى الضرر الذي يمكن أن يحدثه التعدي على العلامة التجارية.
تتمثل عقوبة جنحة بيع منتجات عليها علامة مقلدة أوعرض هذه المنتجات للبيع بغرامة من1000دج إلى 2000 دج وبالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات [16] أو بإحدى هاتين العقوبتين وتسمح هذه الأحكام بمتابعة التجار الذين يبيعون أو يعرضون للبيع  منتجات تحمل علامة مقلدة أو مشبهة تدليسيا حتى عند عدم مشاركتهم في صنعها ,كما يظهر جليا أن المشرع لا يميز بين بيع المنتجات وعرضها للبيع ,أي تعد الجنحة مرتكبة إذا تحقق البيع أو لم يتحقق يكفي أن تكون المنتجات قد تم عرضها في الأسواق أو المعارض أو بواسطة الدعاية ,هاتين العمليتين يعاقب عليهما جنائيا [17], لكن يشترط لقيام الجنحة توافر سوء القصد وعلى ذلك تتطلب هذه الجنحة على خلاف جنحة التقليد توافر عنصرين المادي والمعنوي معا.  


المبحث الثاني :

مدى كفاية الحماية الجزائية للعلامة التجارية

                إن حماية العلامة التجارية نقطة مهمة وحاسمة لحماية هوية أعمال التاجر حيث بدون الحماية يمكن لأي شخص الاستفادة من جهود الآخرين بحيث يتحصل على فوائد بشكل سهل من جراء استعمال علامات لا تخصه، ولذلك احتاجت الدول إلى قوانين لحماية العلامات التجارية.
لذا فقد لجأت مختلف دول العالم للبحث عن توفير حماية جزائية للعلامة التجارية وتسمى هذه الحماية بالحماية الوطنية.
المطلب الأول : عدم قدرة قانون العلامات التجارية على مواكبة صور التعدي على العلامات

أصدرت الجزائر قانون لحماية العلامات التجارية  غير أن هذا لم تكن كافيا لضمان حماية العلامات التجارية في ظل ظهور إعتداءات متكررة على العلامات بل وانتشار هذه الظاهرة ليس فقط داخل الوطن بل حتى خارجه وعليه ظهرت الحاجة إلى توفير المزيد من الحماية من خلال سن قوانين أخرى  بل والإعتماد على مؤسسات وجهات تسعى لتوفير الحماية للعلامة التجارية  وعملت من خلال الجمارك على محاربة التقليد، فمحاربة التقليد تمثل مهمة أساسية لدى إدارة الجمارك في إطار التنظيم التجاري الخارجي خلال مراقبة البضائع عند الدخول أو الخروج أو التداول عبر التراب الوطني هذه المهمة تتكئ على التعاون النشيط بين الشركات الضخمة والسلطات فتقليد الماركات العالمية تمثل جرم لدى مستخدمي الجمارك، حيث أن استيراد وتصدير سلع مقدمة أساسا على أنها ماركات عالمية أمر يعاقب عليه القانون الجزائري،وتكون العقوبة المطبقة على المقلدين والمزورين إما بالسجن أو غرامات مالية.
غير أنه وفي عصرنا هذا تبقى الحماية الوطنية قاصرة عن توفير الحماية الكافية للعلامة التجارية ولهذا الغرض فقد لجأ المجتمع الدولي لتنظيم وضمان حماية أكبر للعلامة التجارية من خلال مجموعة من ألاتفاقيات والمعاهدات.
تم ذلك من خلال عقد اتفاقيات ومعاهدات لحماية العلامة التجارية دوليا نذكر منها على سبيل المثال:
1-اتفاقية باريس: صادقت الجزائر على نصها الأصلي سنة 1966بواسطة الأمر 66/57 بينما صادقت على التعديلات في 1975 بواسطة الأمر75/02 وتم إبرام هذه الاتفاقية بهدف حماية الملكية الصناعية والتي تتضمن مجموعة من الدول المالكة لأجهزة مركزية دائمة تديرها المنظمة العالمي للملكية الصناعية وتكون الحماية عن طريق إيداع الطلب لدى إدارة العلامة في الدول الأجنبية توفر اتفاقية الحماية للعلامة بناءا على المبادئ التالية:
1-مبدأ التشبيه: ويتضمن تشبيه الأجانب بالمحليين في المعاملة والتصرفات فتطبق عليهم الإجراءات والنظم نفسها، فهم يتمتعون بالمزايا الوطنية نفسها.
 2-مبدأ الأسبقية: يتمتع مودع الطلب بأسبقية التسجيل في الدول الأخرى المنضمة إلى الإتحاد ويكون ذلك في مدة 6 أشهر من تقديم الطلب لدى الدولة الأم.
3-مبدأ الاستقلالية:تخض العلامة للقانون الداخلي للدولة التي سجلت فيها، وتعتبر مستقلة عن بعضها البعض من حيث تاريخ التسجيل في حالة أنها سجلت في الدولة الأم ودول أخرى.
: 2-معاهدة مدريد
لقد انضمت الجزائر لمعاهدة مدريد المتعلق بتسجيل العلامات التجارية بموجب الأمر 72/10 المؤرخ في 1972 المتضمن انضمام الجزائر لمجموعة من الاتفاقيات
يقوم المكتب الدولي بجنيف بتسجيل العلامات التجارية وإعلانها في نشرته الدولية بعد وصول الطلب القادم من طرف المكتب الدولي لحماية الملكية الصناعية من طرف المصلحة المختصة في البلد الأصلي للعلامة ( التسجيل يتم في المكتب الدولي ).فإذا وصل تسجيل البلد الأصلي إلى المكتب الدولي خلال شهرين فهو يحمل التاريخ نفسه، وإذا كان عكس ذلك يحمل تاريخ وروده.
وحددت هذه المعاهدة حماية أقصاها 20سنة مع إمكانية التجديد خلال 6 أشهر من نهاية المدة الأولى، يجوز رفض التسجيل من طرف الدول المعنية لسبب أو آخر ولكن عليها إعلام المكتب الدولي بذلك مبينة مبررات هذا الرفض  
3- اتفاقية التريبس :
لقد عقدت في سنة 1957 وكانت مكونة من 25 دولة وضع هذا الاتفاق تصنيفات لمجموعة من المنتجات والخدمات من طرف الدول الأعضاء بغرض استخدامها في التسجيل الدولي للمعاهدة، وكذا التسجيلات الوطنية بأقاليم الدول المتعاقدة.


المطلب الثاني :عدم ملائمة شروط الحماية الجزائية للعلامة التجارية بموجب قانون العلامات.
               تتفق التشريعات الخاصة بالعلامات التجارية في اشتراط تسجيل العلامة التجارية لكي تتمتع بالحماية الجزائية ونرى أنه لا ينبغي اشتراط التسجيل في كل الحالات والجرائم المتعلقة بالتعدي على العلامات التجارية غير المسجلة كما يشترط بعض الفقه[18] توافر أربعة شروط تتمثل في : وجود علامة تجارية بالمعنى المألوف أي أن تستعمل هذه العلامة لغرض تمييز المنتجات أو البضائع أما الشرط الثاني فهو استعمالها ونرى في هذا الشرط أنه ينبغي توفير الحماية بمجرد وجود إرادة أو نية الاستعمال فقط لهذه العلامات التجارية ويشترط ثالثا هو أن تخصص العلامة لغرض معين لذا يلزم أن تكون للعلامة غرض أو أكثر من الأغراض المحددة قانونا والشرط الرابع  فهو أن يتم تسجيل هاته العلامة وفقا لأحكام القانون.
مما سبق نرى أن من الواجب توفير كل سبل الحماية الجزائية  للعلامة التجارية لمنع التعدي عليها بل و ردع كل من تسعى للتعدي عليها بما أن العلامة التجارية هي حق و مصلحة جديرة بالحماية وتجب التخلص من المغالاة في شروط توفير الحماية الجزائية لها باعتبار أن التعدي على العلامة التجارية ليس بالفعل الهين بل هي جريمة تستوجب العقاب والردع.
نضيف أن العقوبات في هذا الصدد تبقى غير متناسبة ومدى خطورة الفعل وما يلحقه من ضرر على كافة المستويات لصاحب العلامة التجارية وخصوصا الضرر الذي يلحق باقتصاد الدول من خسائر مادية وهز سمعة والضرر اللاحق بالمستهلك.



الخاتمة :
                     تعتبر العلامة دليل مهم للمستهلك يمكنه من التعرف على مصدر المنتجات والخدمات وتمييزها وبالتالي تسهيل العملية التسوقية عليه، إلا أنها معرضة لمخاطر التزوير والتقليد، مما جعل الدول تسعى جاهدة إلى تبني نظام حمائي يكفل لها عدم التعدي على العلامات التجارية، وذلك بإصدار نصوص قانونية وطنية وإبرام معاهدات دولية للبث في أحكام العقوبات المقرر على التعدي على العلامات التجارية، فقد تكون هذه العقوبات مدنية أو جنائية،ومع هذا يبقى التقليد والتزوير والتعدي على العلامات التجارية  ظاهرة تؤثر سلبا على المنتجات ، كما تتعرض لسلامة وأمن البلاد اقتصاديا،وهذا يستوجب المزيد من التشديد على الأسواق والمنتجات , ففي الأردن وبالرغم من الجهود المبذولة من طرف المشرع إلا أنه يلاحظ أن ظاهرة التعدي على العلامات التجارية تبقى منتشرة وقد يكون السبب في ذلك يعود إلى عدم تناسب العقوبات والغرامات مع الفوائد
والأرباح التي قد يجنها المعتدي على العلامة التجارية , ولهذا فإنه ينبغي الرفع من قيمة الغرامات المقررة وكذا تشديد عقوبات الإكراه البدني.

التوصيات:
نرى في الأخير أن يتم الأخذ بالمقترحات التالية:
1_ فسح المـــجال للحصــول على التعويضــات بالنسبة للمتضرريـــن وتوقيع العقوبــات على المــعتدين  دون أن يتــــم ربــــط ذلــك  بشــــــرط الــــتــــسجـــــيل أو أيــــة شـــــروط أخـــــرى تـــمــس بــحــقــوق صـــاحـــب العلامــــــة التجـــارية.
2_الاستغناء عن تعريف العلامة التجارية الوارد في النص القانوني لأن التعريف قد لايكون دقيقا بما يكفي بالإضافة إلى أن التعريفات يختص بوضعها الفقه عادة أما المشرع فيلجأ إلى التعريف في حالات استثنائية فقط.
3_تنظيـــــم الحمايـــة الجـــزائـــيــة للعلامــات التــجاريـة في إطــــار قــانـــون واحــــد تـــحيط بها من مخـــتــلف الجـوانـــب.

قائمة المراجع:

النصوص القانونية:
-أمر رقم 66 – 57 مؤرخ في 27 ذي القعدة عام 1385 الموافق 19 مارس سنة 1966، يتعلق بعلامات المصنع والعلامات التجارية الجريدة الرسمية 22 مارس 1966.
- قانون العلامات الجزائري رقم 03/06 الصادر سنة 2003 (معدل).للأمر رقم 66-57.
_ قانون العلامات التجارية  الأردني رقم 53 للعلامات لسنة 1952,الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة تخت عنوان مجموععة قوانين وأنظمة دون سنة نشر.
_القانون المصري للعلامات التجارية.
_.WIO GAT_ اتفاقية

الكتب:
- فرحة زواوي صالح الكامل في القانون التجاري الجزائري القسم الثاني دار ابن خلدون وهران الجزائر.
_عمار عمورة قانون التجاري الجزائريدار المعرفة 2009.
_ محمد حسني عباس التشريع الصناعي, دار النهضة العربية, القاهرة 1967.
_حسام الدين عبد الغني الصغير الجديد في العلامات التجارية في ضوء قانون حماية حقوق الملكية الفكرية الجديد واتفاقية التريبس,دار الفكر الجامعي الإسكندرية مصر 2004



الأبحاث والرسائل الجامعية:
_أسامة محمد النعيمي رسالة ماجستير جامعة الموصل 2004.
_ ماهر فوزي حمدان حماية العلامة التجارية دراسة مقارنة 1999 الجامعة الأردنية رسالة ماجيستير.


 قانون العلامات التجارية الأردني  رقم (29) لسنة2007 المعدل لقانون العلامات التجارية رقم (33) لسنة1952. [1]
 قانون العلامات التجارية المصري.[2]
 قانون العلامات الجزائري رقم 03/06 الصادر سنة 2003 (معدل)[3]
 أسامة محمد النعيمي رسالة ماجستير جامعة الموصل 2004[4]
 أسامة محمد النعيمي رسالة ماجستير جامعة الموصل 2004[5]
 محمد حسني عباس التشريع الصناعي, دار النهضة العربية, القاهرة 1967.[6]   
أسامة محمد النعيمي رسالة ماجستير جامعة الموصل 2004 .  [7]
 الطعن رقم  1297 جلسة 4/5/1954 نقلا عن أسامة محمد النعيمي نفس المرجع السابق.[8]
 ماهر فوزي حمدان حماية العلامة التجارية دراسة مقارنة 1999 الجامعة الأردنية.[9]
 أسامة محمد النعيمي نفس المرجع السابق. [10]
 أسامة النعيمي نقلا عن د فخري عبد الرزاق حديثي قانون العقوبات. [11]
 أنظر المادة 37 من ألأمر رقم 66-57 السالف الذكر.[12]
 أنظر المادة 32 من ألأمر رقم 66-57 السالف الذكر.[13]
 أنظر المادة 34 من ألأمر رقم 66-57 السالف الذكر.[14]
 فرحة زواوي صالح الكامل في القانون التجاري الجزائري القسم الثاني ص260دار ابن خلدون وهران الجزائر.[15]
 أنظر المادة 28 من ألأمر رقم 66-57 السالف الذكر.[16]
فرحة زواوي صالح الكامل في القانون التجاري الجزائري القسم الثاني ص 269 دار ابن خلدون وهران الجزائر.[17]
 أسامة محمد النعيمي نفس المرجع السابق. [18]

جريمة تعريض الغير للخطر


لقد تولد عن عديد التجارب والتطورات التي شهدها الإنسان تشكيل المجتمعات الحديثة التي نعيش فيها اليوم والتي تكاد أن تكون أرقى ما كان يصبو له الإنسان من اجل ضمان العيش في أحسن الظروف , وبفضل العلم عرفت البشرية تقدما في شتى المجالات وأصبحت الحياة أكثر سهولة , وهذا بفضل الضوابط أو مجموعة القيم التي توجد في كل مجتمع , غير انه ومن سنن الله عز وجل انه لا يمكننا الارتقاء إلى المثالية في تصرفاتنا , فكثيرا ما يتم خرق القيم والقواعد التي تسطرها الجماعة , ما يؤدي أحيانا إلى ارتكاب الشخص ما يسمى بالجريمة .
ومن المنظور الاجتماعي فالجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو في صالح الجماعة وما هو عدل بالنسبة لها , أو انتهاك عرف أو قواعد ومعايير تبنتها الجماعة , ولضبط هذه التصرفات والحد منها تم استحداث قوانين العقوبات والتي تعرف الجريمة بما يفيد معناه انه نشاط أو امتناع يجرمه القانون ويعاقب عليه .
إلا انه وبفعل التقدم العلمي والاقتصادي الحاصل وكذا تشعب العلاقات وكثرتها وظهور أشكال للجريمة من حين لأخر جعل المشرع في المجال الجنائي يسعى دائما لمواكبة مختلف الجرائم التي تهدد أركان المجتمع , وبفضل سعيه هذا أصبح المشرع يهدف إلى وضع نوع من الحماية المسبقة بغرض تجنب وقوع الجريمة وابتعادها عن ضحايا جدد , فمثلا تمنع التشريعات القيادة في حالة السكر أو تحت تأثيره وهذا بسبب وجود خطر .
والخطر لغة هو الإشراف على الهلاك, أما قانونا فهو الضرر المحتمل الذي يهدد المصلحة التي يحميها القانون في نص التجريم ( 1 )
 
                                                                                                                                                                                      
 
 (1) -الخطر الجنائي ومواجهته حسنين المحمدي نقلا عن د احمد فتحي سرور الوسيط قانون العقوبات
 
وكذلك هو احتمال حدوث الضرر أو هو مقدمة لحدوث الضرر فهو بهذا المعنى الخطوة السابقة مباشرة على الضرر ( 1 ) 
فمن خلال هذه التعريفات نجد أن الخطر هو الوضعية التي تسبق وقوع الضرر , أي أن هذا الأخير قد ينتج عادة عن الخطر أي أن هناك احتمال وقوع للضرر بفعل تواجد عنصر الخطر .
وفكرة الخطر ظهرت في الفقه الألماني كنتيجة للوضع الاجتماعي الذي شهدته ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظهور مجتمعات صناعية تحتوي على عامل الخطورة بصفة اكبر .

 ورغبة من المشرع الفرنسي مواكبة مختلف التطورات الحاصلة فانه و من خلال نص المادة 223 من قانون العقوبات الفرنسي فقد جرم الفعل الذي قد يجعل الغير في حالة خطر بغض النظر عن وقوع الضرر من عدمه .

ومن هذا المنطلق نجد أن المشرع قد اعتمد سياسة جديدة في التجريم بحيث انه قرر المعاقبة على الفعل أو السلوك الخطر ولو لم يتحقق عنه ضرر المعاقبة بهدف توفير الحماية للغير في محاولة للردع المسبق وبالتالي إرساء سياسة منعية رادعة لكل إهمال أو لا مبالاة تعرض الغير للخطر .
(1) الدكتور سمير الشناوي الشروع بالجريمة.

ولهذا سوف نتعرض لجريمة تعريض الغير للخطر في مبحثين :

المبحث الأول : أركان جريمة تعريض الغير للخطر.

المطلب الأول : الركن المادي لجريمة تعريض الغير للخطر.

المطلب الثاني :الركن المعنوي لجريمة تعريض الغير للخطر.

 
المبحث الثاني : جريمة ترك ألأطفال في مكان خال وجزاءها
 
المطلب الأول : جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس
 
المطلب الثاني : جزاء ترك الأبناء في مكان خال
 
 
 
 
 
   المبحث الأول : أركان جريمة تعريض الغير للخطر .

لجريمة تعريض الغير ركنان ركن مادي وأخر معنوي ونتطرف لهما لمطلبين:
 
المطلب الأول : الركن المادي لجريمة تعريض الغير للخطر.

لقد نصت المادة ( 223 /1 ) من قانون العقوبات الفرنسي بأن جريمة تعريض الغير للخطر هو الفعل الذي يعرض الغير مباشرة لخطر حال بالموت أو الجروح التي تؤدي إلى قطع عضو أو عاهة مستديمة بانتهاك إرادي واضح للالتزام خاص بأمن أو حيطة مفروض بواسطة القانون أو التنظيمات يعاقب بالحبس وبغرامة ( 100.000 فرنك ) فهي تبين بوضوح وجود الركن المادي لقيام جريمة تعريض الغير للخطر ونستنتج من نص هذه المادة للركن المادي ثلاثة عناصر يقوم عليها وهي : 

 1 – انتهاك الالتزام خاص بالأمن أو الحيطة , أي الالتزام المنتهك متعلق أولا بضمان الأمن وكذلك أن يكون الالتزام المنتهك خاصا وهذه الصفة مستحدثة ولا وجود لها في نصوص القانون الخاصة بجرائم الاعتداءات غير الإرادية على الحياة والسلامة الجسدية للشخص (1).
 
1 حاتم الشحات نفس المرجع السابق
ويكون الالتزام خاصا عند عندما يكون الالتزام محددا بدقة كنموذج للتصرف الواجب إتباعه وهذا طبقا لمعيار التحديد للنص بالإضافة إلى مقياس أخر يضفي الخصوصية على الالتزام , وهو معيار طبيعة الأنشطة الخاصة محل الالتزام , فمثلا تحديد سرعة السيارات على جميع السائقين يعتبر التزاما عاما .
أما جريمة تعريض الغير للخطر تفترض وجود تحديد خاص للسرعة , تبعا لأقدمية حصول السائق على الرخصة مثلا , في القانون الجزائري يفرض على السائق سرعة أقصاها 80 كم في الساعة طيلة مدة سنتين من حصوله على رخصة السواقة , أو بالنسبة لسائقي النقل العام والذي يشترط فيهم شرط السن 25 سنة على الأقل.
 
التزام مفروض بواسطة القانون أو اللائحة:
حسب المادة 223 /8 قانون عقوبات فرنسي تؤكد ضرورة أن يكون الالتزام منصوص عليه من القانون أو اللائحة , نستنتج من ذلك أنه  يستبعد القوانين الداخلية كالتنظيمات داخل المصانع والشركات 
- ويقصد بالقانون تلك القواعد التشريعية الصادرة عن البرلمان .
أما اللوائح فهي اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين .
2 – وجود الخطر: إن السياسة الجنائية التي اتبعها المشرع في القانون الفرنسي في جريمة تعريض الغير للخطر.
لا تنظر إلى تحقق الضرر أو النتيجة بقدر ما يهمها وجود حالة الخطر, فتعريض الغير للخطر لا يقتضي نتيجة ضارة.
- وهذا يعني وجود مشكلة في إثبات وجود الخطر .
فالخطر يوجد عندما تظهر ظروف الواقع أن انتهاك الجاني للالتزام بالأمن والحيطة من شأنه أن يسبب حادثا خطيرا يمكن أن تصل نتائجه إلى حد الموت للغير أو الاعتداء الخطير على سلامته الجسدية(1)
 1 حاتم الشحات تعريض الغير للخطر

وبالتالي فان جريمة تعريض الغير للخطر تقتضي وجود هذا الأخير بصفة جلية وواضحة وذلك تجنبا لتوسع هذه الجريمة وتطبيقها على حالات لا يكون فيها الخطر واضحا , ومثال ذلك تجاوز السائق للسيارة أمامه دون الانتباه لوجود سيارة قادمة , أما الخطر الواضح فهو المتمثل مثلا في السير على الطريق السريع بسرعة عالية في الاتجاه المعاكس , فهنا نجد أن الخطر واضح والظروف مهيأة لذلك 
- وينبغي الإشارة إلى مسألة وجود الغير أثناء حالة الخطر وأثرها في قيام جريمة تعريض الغير للخطر فهذه الأخيرة تقوم بمجرد إمكانية وجود الغير أو احتمال تعريضهم للخطر وبصفة عامة في هذا الشأن يبقى للقاضي سلطة تقديرية في ذلك .
 
3-العلاقة السببية بين انتهاك التزام خاص بالأمن والحيطة والخطر:

لقد استوجب المشرع الفرنسي صراحة علاقة سببية  مباشرة بين انتهاك الالتزام وبين الخطر , وتشدد المشرع في ضرورة وجود علاقة سببية مباشرة يعود  أن النتيجة الضارة لم تقع وهذا لغلق الباب أمام استعمال هذا النص تعسفا , فيجب أن تكون هناك علاقة قوية بين انتهاك الالتزام والخطر لدرجة أن عدم وقوع الضرر قد يعود لأسباب أو عناصر خارجية لا دخل للجاني بها .

وخلاصة القول في ما يتعلق بالعلاقة السببية انه في جريمة تعريض الغير للخطر فان
الضررلم يتحقق, فانه ينبغي أن يحدد المشرع من دائرة التجريم في حدود السبب المباشر .




 
 
 
المطلب الثاني : الركن المعنوي لجريمة تعريض الغير للخطر .


لقد أوجب المشرع لوجود جريمة تعريض الغير للخطر أن يكون انتهاك الالتزام المنشئ للخطر إراديا (1) وكذلك توافر العلم للجاني بالخطر .

1- انتهاك الالتزام المنشئ للخطر إراديا: فيجب على الفاعل أن يكون انتهاكه لإحدى القواعد التي يتضمنها النص القانوني صادرا عن إرادة صريحة (2) .
والإرادة هنا لا تتجه إلى قصد إلحاق الضرر وإنما تعنى الإرادة انتهاك الالتزام يتسبب في قيام خطر للغير بمعنى كأن يتغافل الشخص عن انتهاكه للقاعدة بالرغم من معرفته المسبقة أن هذا قد يشكل خطرا للغير وليس بالضرورة ضررا .
فصفة العمد هي متعلقة هنا بانتهاك الالتزام وكذلك الإقدام على الخطر .

2 – العلم بالخطر :
استوجب التشريع الفرنسي علم الجاني بالخطر كعنصر لقيام الركن المعنوي في جريمة تعريض الغير للخطر فبالإضافة إلى علمه بانتهاكه للقاعدة القانونية فينبغي ان يكون مدركا للخطر الذي قد تسبب فيه , أي ان الشخص يدرك انه مرتكب لجريمة تعريض الغير للخطر وحتى ولو لم يكن هناك ضررا بالغير او مصابا . 

وادراك الخطر لا يعني التعمد في تحقيق الخطر انما بالمخاطرة معتقدا انه لا يمكن ان يكون هناك حادث.
 
 
 
 

1 – حاتم الشحات تجريم تعريض الغير للخطر .
2 – احمد حسام طه تمام تعريض الغير للخطر في القانون الجنائي.
 
المبحث الثاني :جريمة ترك ألأطفال في مكان خال وجزاءها
                     من جرائم تعريض الغير للخطر المنصوص عليها في قانون العقوبات الجزائري جريمة ترك الأبناء في مكان خال من الناس، وهي الجريمة التي تستلزم توافر أركان بيان الشروط  لكي يمكن متابعة و إدانة مرتكبيها وهو ما سنتطرق إليه في ما يلي من خلال إبراز صورة هذا الفعل المتمثلة في تعريض الطفل للخطر (م 314 ق.العقوبات الجزائري).
 نتطرق إليهما في مطلب أول نبين فيه جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس  وفي المطلب الثاني جزاء ترك الأبناء في مكان خال.

المطلب الأول: جريمة ترك الأبناء في مكان خالي من الناس
 
          نتطرق بالدراسة إلى أركان الجريمة المتمثلة في الركن المادي والركن المعنوي بالنسبة وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمواد 314 إلى 318 من قانون العقوبات، هذه الجريمة وثيقة الصلة بجريمتين أخريين، فلها ارتباط بحرمان القصر من العناية والغذاء المنصوص والمعاقبة عليها بنص المادة 269 من قانون العقوبات، كما تدخل أيضا ضمن الجرائم الموجهة ضد رعاية الطفل وتتوسط جريمتي عدم تسليم الطفل وتحويله (م327، 328ق.ع) لأن القانون يعاقب على تعريض الطفل أي التخلي عنه باعتباره عملا يتنافى وواجب الحضانة الواقع على عاتق الحاضن، كما أن القانون يحمي صحة الأطفال ويعاقب على تعريضها للخطر.
و نتناول في ما يلي إلى أركان هذه الجريمة وشروطها:
 
: الركن المادي
- يتمثل هذا الركن في نقل الطفل من مكان آمن والذهاب به إلى مكان أخر خال تماما من الناس أو غير خال ثم تركه هناك وتعريضه للخطر، وهو عنصر يتم تكوينه بمجرد الانتهاء من عملية النقل والترك دون حاجة إلى إثبات أي تصرف أخر ودون حاجة إلى البحث عن الحالة، التي كان عليها الضحية ولا عن الوسيلة التي تم نقله بواسطتها لذلك فإن الجريمة تقوم في حق من ترك طفلا أمام باب ملجأ أو مسجد أو جمعية خيرية ولو كان ذلك على مرأى من الناس
وقد قضي في فرنسا بقيام هذه الجريمة في حق أم تركت ولدها عند أحد الأشخاص على أن تعود إليه فاختفت ولم تعد إليه، وهناك من يصف هذه الجريمة باعتبارها تهربا من الالتزامات والوجبات القانونية نحو الطفل والمترتبة عن الحضانة
- إن هذه الجريمة نص عليها القانون الفرنسي في المواد من 349 إلى 365 من قانون العقوبات والمتمثلة في التخلي أو ترك أو تشريد الطفل أو غير القادر الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته الجسدية أو الذهنية في نظام قانون العقوبات الفرنسي القديم. كما يجب من أجل تشكيل الجريمة اجتماع ظرفين هما:
الطرح والتخلي وقد اتفق الفقه والاجتهاد على ذلك، لكن أكثرية التشريعات الأجنبية الأخرى كانت تجرم احد الفعلين فكانت تعاقب على الطرح ولو لم يتبعه تخلي، وعلى التخلي ولو لم يسبقه طرح، من هاتين الطريقتين المختلفتين في فهم التجريم لقد اعتمد القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 19 أفريل 1898م الطريقة الثانية وأن المواد 349 إلى 352 من قانون العقوبات تعاقب على الطرح والتخلي معا، لذا فإنه يهمنا أكثر أن نعرف في هذا الصدد ما يقصده القانون بهذين التعبيرين
 إن التخلي بموجب التفسير الذي هيمن قبل صدور قانون 19 أفريل 1892م ترك الطفل دون أن يحضنه أحد ودون أن يتأكد لان أحدهم قد حضنه أو اعتنى به.

 إن عرض الطفل وهو وضعه في مكان غير المكان الذي يوجد الأشخاص الملزمين بالاعتناء به، فالقانون الفرنسي الذي يعتبر المصدر التاريخي لقانون العقوبات الجزائري يعاقب على الحرمان من كل إرشاد ومن كل رقابة للطفل والقيام بالحرمان من الرقابة ومن الانتباه ومن عناية الأشخاص الذين يكونون على مسؤولياتهم قانونا، نستنتج من ذلك أن القيام بإعطاء طفل لشخص ما أو لجار أو الذهاب بغية عدم الرجوع يشكل العنصر المادي لجريمة التخلي عن الطفل
 إن نظام قانون 1892م يكرس في الواقع التزامين يفرضان على الوالدين وهما واجب الحراسة والمراقبة في ما يخص الأطفال، وواجب عدم التخلي عنهم
 المادة 369 من قانون العقوبات الفرنسي تعاقب بالحبس من يعرض أو قد يعمل على تعريض أو يقوم بالتخلي، أو يعمل على التخلي في مكان منعزل عن طفل أو رضيع لا يمكن أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته الجسدية أو الذهنية، ومن ثم فإن العناصر المادية للجريمة أربعة وهي:
 1-القيام بالتعريض أو التخلي: ففي حين أنه في نظام قانون العقوبات الفرنسي كان اجتماع الظرفين بذاته ضروريا إلا أن المادة 369 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد تعاقب التعريض بذاته والتخلي حتى ولو لم يسبقه تعريض للخطر.
 2-العنصر الثاني وهو التعريض والتخلي: الترك أو التعريض للخطر الذي يحصل في مكان منعزل أو غير منعزل خال أم غير ذلك ويلاحظ أن قانون العقوبات الجزائري لم يحصر ضحية هذه الجريمة في الطفل فقط بل وسعها إلى كل عاجز بسبب حالته البدنية كبر السن أو عاهة أو بسبب حالته العقلية معتوه أو مجنون
 العنصر الثالث هو عدم قدرة الضحية على حماية نفسها بنفسها وفي هذا الصدد يوجد تجديدان في قانون 1898م، من جهة لقد كان القانون الفرنسي القديم يهتم فقط بالتخلي عن الطفل في حين أن النص الجديد يتطرق للرضيع والمعتوه والمعاق، وعدم القدرة على حماية النفس بسبب صغر السن أو بسبب عيب أو عاهة في جسمه كأن يكون معطل استعمال اليدين أو الرجلين أو العينين وإما بسبب خلل في عقله كأن يكون مجنونا لا يميز بين ما يضره وما ينفعه ولا يستطيع إنقاذ نفسه من أي خطر قد يتعرض له
كماأن ترك الطفل في مكان خال يعد شرطا من شروط تكوين جريمة ترك الأبناء( 1) في مكان خال وتعريضهم للخطر، والمكان الخال هو المكان الذي لا يوجد فيه الناس ولا يطرقونه عادة، ولا يتوقع أن يؤمه بنو الإنسان إلا نادرا، وهي الحالة التي يحتمل معها حالة الولد دون أن يعثر عليه من يسعفه أو ينجيه، أو يقدم له يد المساعدة من الخطر الذي يمكن أن يداهمه أو الضرر الجسيم الذي يمكن أن يتعرض له
إلا أن المادة 314 من قانون العقوبات لم تعتبر مكان ترك الطفل سواء في مكان خال أم لا شرطا أو ركنا من أركان الجريمة(2)، بل هي مجرد ظروف مكانية تأثر في العقوبة بالتشديد أو بالتخفيف ولا أثر لها على قيام الجريمة.
وهذا ما تؤكده المادة 316 من قانون العقوبات التي تعاقب على ترك الطفل وتعريضه للخطر في مكان غير خال من الناس ولكن بعقوبات أخف من تلك المقررة في المادة 314 من قانون العقوبات التي تعاقب على ترك الأطفال وتعريضهم للخطر في مكان خال من الناس.
وفي هذا الصدد يجدر بنا الإشارة إلى قرار صدر عن المحكمة العليا الغرفة الجزائية الأولى تحت رقم 10021 بتاريخ 26/03/2000 (3)الذي جاء فيه ما يلي:" تشترط الجريمة المنصوص عليها بالمادة 316 من قانون العقوبات لتطبيقها ترك الطفل في مكان غير خال من الناس قصد التخلص منه بصفة نهائية لذلك لا تحقق الجريمة بالنسبة للجدة التي سلمت حفيدها الصغير إلى أبيها بطلب من أمها التي أصبحت غير قادرة على الاعتناء بها.
(1)الأستاذ عبد العزيز سعد قانون العقوبات
(2) الأستاذ أحسن بوسقيعة شرح قانو ن العقوبات الجزائري
(3)قرار المحكمة العليا


الركن المعنوي:

 تتطلب هذه الجريمة توافر القصد الجنائي، إلا أن ما يتحكم في العقوبة هو النتيجة غير أن الأستاذ عبد العزيز سعد يرى أن مجرد توفر الركن المادي وشروط الجريمة يعفي من البحث عن نية الفاعل وقصده، إذ يرى أن القانون لم يجعل من النية أو القصد الجرمي ركنا متميزا إلى جانب الأركان الأخرى وذلك ما دام لم ينتج عن هذا الفعل أية مضاعفات إلا أن هذه الجريمة تتطلب على الجاني بجميع أركانها ما يتطلبها القانون و اتجاه إرادته الحرة إلى تعريض الطفل للخطر والتخلي عنه وأن تكون هذه الإرادة لم يمسها عيب كالإكراه المادي أو المعنوي الذي قد يعيب الإرادة أحيانا وقد يعدمها أحيانا أخرى.
 ويرى الفقيه روني غاور(1) إن العنصر المعنوي للجريمة يكمن في نية عدم القيام بالعناية التي تفترضها حراسة الطفل أو الرضيع وأن أفعال التعريض بالخطر والتخلي إذا ما ارتكبت بنية جعل الطفل يختفي نكون بصدد اختفاء الطفل، أما إذا حصل ذلك بنية قتله وذلك عبر حرمانه من العناية سيشكل الفعل عندئذ قتلا عمديا أو محاولة قتل أو أخيرا إذا ارتكب الفعل بنية غير محددة أي بنية إيذائه سيقع الفعل تحت وقع الأحكام المضافة لنص المادة 312 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر بتاريخ 19 أفريل 1998
 
 
 
(1) نقلا عن الأستاذ أحمد بوسقيعة نفس المرجع السابق
 

المطلب الثاني: جزاء ترك الأبناء في مكان خال

يرى الأستاذ الفقيه رونيه غارو أن خطورة الجريمة تتوقف على الخطر الذي يمكن للظروف أن تلحق بالطفل أو بعديم القدرة على حماية نفسه بنفسه وأن قانون العقوبات يقدر درجة هذا الخطر بالرجوع إلى مكان التخلي والتعريض للخطر ويعاقب بعقوبات تختلف حسبما يكون الفعل قد حصل في مكان منعزل أم لا، وأن هذا التفريق الذي يهيمن على أحكامه مستخلص من أهمية الظروف التي تتعلق بها نتيجة الجرم، لكن وقت التخلي وسن الضحية وحالة عديم الأهلية هي عناصر تشدد وتخفف الخطر ويكون القاضي أن يأخذ بها في تقديره للذنب الفردي لكن لا يجب أن نلوم المشرع الفرنسي بتجرده منها لان نظام التشخيص القضائي فيما يخص العقوبة يفضل عن نظام التشخيص القانوني
و ما يمكن ملاحظته أن العقوبة تختلف حسب الظروف المكانية لارتكاب الجريمة وما ترتب عنها من نتائج وصلة الجاني بالمجني عليه.
  
حيث أنه إذا كانت المادتان 314 و316 من قانون العقوبات قد تضمنتا كل العناصر المكونة للجريمة وتضمنتا كل أنواع تلك الحالات التي يمكن أن تنتج عن فعل ترك الولد وتعريضه للخطر في مكان خال أو غير خال من الناس وتضمنتا كل أنواع العقوبات الأساسية المقررة قانونا لكل نتيجة من نتائج فعل الترك والتعريض للخطر، فإن المادتين 315 و317 قد نصتا على عقوبات مشددة كلما كان الفاعل أو المتهم أو ومرتكب الجريمة من أصول الولد المتروك للخطر وحسبما إذا كان مكان الترك أو التعريض للخطر مكانا خاليا من الناس أو غير خال منهم.
 
ترك الطفل في مكان خال: تتحكم في تحديد المكان الخالي عدة عوامل ويعتبر العامل الجغرافي أهمها إذ أن ترك طفل في غابة معزولة وموحشة ليس كتركه أمام باب مسجد أو ملجأ أو في مدينة أو قرية عامرة بالسكان، أما العامل الثاني فهي ظروف وضع الطفل وتتمثل هذه الظروف خاصة في وقت ترك الطفل والتخلي عنه، فتركه ليلا ليس كتركه نهارا ووضع الطفل في مكان آمن ولو كان معزولا أو خاليا ليس كوضعه في مكان عامر بالسكان والحركة ولكنه شديد الخطورة، كوضع الطفل أمام الطريق السريع، أو الأماكن التي تكثر فيها القلاقل والنزاعات والحروب، أما العامل الثالث فهو حظوظ إنقاذ الطفل، فكلما كانت حظوظ إنقاذ الطفل ضئيلة كلما تجلت للقاضي النية العمدية للفاعل في التخلص من الطفل وتعريضه للخطر، وتعاقب المادة 314 في فقرتها الأولى على ترك الطفل في مكان خال بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وتشدد هذه العقوبة بتوافر ظرفين هما نتيجة الفعل المجرم وصفة الفاعل:
نتيجة الفعل: حيث تؤثر نتيجة الفعل على العقوبة على النحو التالي:

 1إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20يوما تكون الجريمة جنحة عقوبتها الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، ويلاحظ أن المشرع أخذ في جريمة ترك طفل في مكان خال أو غير خال بمدة 20يوما عجز كمعيار للتمييز بين درجات خطورة الجريمة خلافا لما أخذ به في جرائم العنف حيث أخذ فيها بمدة 15 يوما
 
ويرى الفقيه غارو أن نتيجة الفعل كظرف مشدد يؤدي إلى مسؤولية الفاعل الذي يجب أن يتوقع بتخليه عن الطفل نتائج فعله، ففي القانون الفرنسي إذا نتج عن التخلي مرض أو عاهة يدومان أكثر من عشرين يوما يطبق الحد الأقصى للعقوبة، هذا النص جديد لأن المادة القديمة لم تكن تضع تشديدا فيما يخص الجروح الخطيرة التي تجعل الطفل مبتورا دون أن تهتم بالأمراض أو حتى بالعاهات الدائمة الأخرى التي يمكن أن تنتج عن التخلي
 إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون الجريمة جناية عقوبتها السجن من 05 سنوات إلى 10 سنوات، أما في القانون الفرنسي فإذا بقي الطفل مبتورا أو إذا بقي ذا عاهة فيخضع المذنبون لعقوبة الأشغال الشاقة إذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت فتكون جناية عقوبتها السجن من 10 إلى 20سنة أما في القانون الفرنسي فعندما يسبب التخلي والتعريض للخطر الوفاة، يعتبر الفعل تماما كالقتل العمد.
          
2 - صفة الجاني : تشدد العقوبات ضد الأصول أو من لهم سلطة على الطفل أو من يتولون رعايته وذلك برفع العقوبات المقررة قانون درجة واحدة، فتكون العقوبات كما يلي
 الحبس من سنتين إلى خمس سنوات في حالة ما إذا لم ينشأ عن ترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز..
 الحبس من 05 إلى 10 سنوات في حالة ما إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20 يوما.
 السجن من 10 إلى 20 سنة في حالة ما إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة.
 السجن المؤبد إذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت
- ويرى الفقيه غارو أنه يجب أن تتضمن فئة الأشخاص الذين تشكل صفتهم ظرفا تشديديا كل الأشخاص الذين لهم واقعيا أو قانونيا مسؤولية الطفل فيجب أن تشمل الساكنين مع الطفل لأنهم مسؤولون عن الطفل الذي يربونه والسلطة تعود قانونيا للوالدين الشرعيين وبالتالي فإن الأمر لا يختلف فيما يخص التجريم والعقوبة سواء أكان الفاعل أو المحرض غريبا عن الطفل أم لا من وجهة نظر روابط الدم، أي سواء كان الفاعلون هم الوالدان الحقيقيان للطفل أم مجرد أشخاص ملزمين قانونيا أو اتفاقا بحراسته أو العناية به، ففي الحالتين يطبق ظرف التشديد دون أي تمييز، لكن صفة الحارس التي تشدد الذنب يجب أن تكون موجودة قبل اقتراف التخلي،         
-           فالشخص الذي يقبل بمهمة التخلي عن الطفل بناء على أمر والديه حسب الفقيه غارو يجب أن لا يقع تحت وقع التشديد في العقوبة إلا إذا قام بالتخلي بعد أن حصل على حراسته دون علمها أما إذا قام الوالدان بمساعدة الفاعل فتطبق عليهما وحدهما العقوبات الأشد الموضوعة في المادتين 350 و 353 من قانون العقوبات الفرنسي ولا يعاقب المتدخل إلا بالعقوبة التي كانت ستنزل به لو كان هو فاعل الجرم أي بالعقوبة التي نص عليها القانون فيما يخص الجريمة المرتكبة من طرف الفاعل الأصلي.

المراجع :
 
الدكتور أحمد حسام طه تمام تعريض الغير للخطر في القانون الجنائي.
 
الدكتور حسنين المحمدي الخطر الجنائي ومواجهته.
 
الدكتور حاتم الشحات تجريم تعريض الغير للخطر
 
الأستاذ أحسن بوسقيعة قانون العقوبات الجزائري.
 
مقالات للفقيه غارو.
 
قانون العقوبات الجزائري
 
قانون العقوبات الفرنسي
: